القرآن والعترة
الثقلان (1)
أيّها النّاس! إنّي فرطكم، وأنتم واردون عليّ الحوض، ألا وإنّي سائلكم عن الثّقلين، فانظروا: كيف تخلّفوني فيهما؟ فإنّ اللّطيف الخبير نبّأني: أنّهما لن يفترقا حتّى يلقياني، وسألت ربّي ذلك فأعطانيه، ألا وإنّي قد تركتهما فيكم: كتاب الله وعترتي: أهل بيتي، لا تسبقوهم فتفرّقوا، ولا تقصروا عنهم فتهلكوا، ولا تعلّموهم، فإنّهم أعلم منكم.
أيّها النّاس! لا ألفينّكم بعدي كفّاراً، يضرب بعضكم رقاب بعضٍ، فتلقوني في كتيبة كمجرّ السيل الجرّار.
ألا وإنّ عليّ بن أبي طالب أخي ووصيّي، يقاتل بعدي على تأويل القرآن، كما قاتلت على تنزيله.
القرآن (2)
أيّها النّاس! إنّكم في دار هدنة، وأنتم على ظهر سفرٍ، والسير بكم سريع، فقد رأيتم اللّيل والنّهار، والشمس والقمر، يبليان كل جديد، ويقرّبان كلّ بعيد، ويأتيان بكل وعدٍ ووعيدٍ، فأعدّوا الجهاز، لبعد المجاز(3). إنّها دار بلاء وابتلاء، وانقطاعٍ وفناء، فإذا التبست عليكم الأمور كقطع اللّيل المظلم، فعليكم بالقرآن، فإنّه شافع مشفّع، وماحل مصدّق، من جعله أمامه قادة إلى الجنّة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النّار، ومن جعله الدليل يدلّه على السبيل، وهو كتاب فيه تفصيل، وبيان وتحصيل، هو الفصل ليس بالهزل، وله ظهر وبطن، فظاهره حكم الله، وباطنه علم الله تعالى، فظاهره أنيق، وباطنه عميق، له تخوم، وعلى تخومه تخوم، ودليل على المعرفة لمن عرف الصّفة، فليجل جالٍ بصره، وليبلغ الصفة نظره، ينج من عطبٍ، ويتخلّص من نشبٍ، فإنّ التفكّر حياة قلب البصر، كما يمشي المستنير في الظلمات بالنّور، فعليكم بحسن التخلّص، وقلّة التربّص.
عليّ والقرآن (4)
يا معشر المهاجرين والأنصار! ومن حضرني في يومي هذا، وفي ساعتي هذه، من الجنّ والإنس، فليبلّغ شاهدكم الغائب: ألا قد خلّفت فيكم كتاب الله، فيه النّور، والهدى، والبيان، ما فرّط الله فيه من شيء، حجّة الله لي عليكم، وخلّفت فيكم العلم الأكبر، علم الدين، ونور الهدى، وصيّي: عليّ بن أبي طالب، ألا وهو حبل الله، فاعتصموا به جميعاً، ولا تفرّقوا عنه، (واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً).
أيّها النّاس! هذا عليّ بن أبي طالب، كنز الله، اليوم وما بعد اليوم، من أحبّه وتولاّه اليوم وما بعد اليوم، فقد أوفى بما عاهد عليه، وأدّى ما وجب عليه، ومن عاداه اليوم وما بعد اليوم، جاء يوم القيامة أعمى وأصمّ، لا حجّة له عند الله.
أيّها النّاس! لا تأتوني غداً بالدّنيا، تزفّونها زفّاً، ويأتي أهل بيتي شعثاء غبراء، مقهورين مظلومين، تسيل دماؤهم أمامكم، وبيعات الضّلالة والشورى للجهالة في رقابكم. ألا وإنّ هذا الأمر له أصحابٌ وآياتٌ، قد سمّاهم الله في كتابه، وعرّفتكم، وبلّغتكم ما أرسلت به إليكم، ولكنّي أراكم قوماً تجهلون، لا ترجعنّ كفّاراً مرتدّين، متأوّلين للكتاب على غير معرفة، وتبتدعون السّنة بالهوى، لأنّ كلّ سنّةٍ وحديثٍ وكلامٍ خالف القرآن، فهو ردٌّ وباطلٌ، القرآن إمام هدىً، وله قائدٌ يهدي إليه، ويدعو إليه بالحكمة والموعظة الحسنة، وهو وليّ الأمر بعدي، ووارث علمي وحكمتي، وسرّي وعلانيتي، وما ورّثه النبيّون من قبلي، وأنا وارث ومورّث، فلا يكذبنّكم أنفسكم.
أيّها النّاس! الله الله في أهل بيتي، فإنّهم أركان الدين، ومصابيح الظّلم، ومعدن العلم: عليّ أخي، ووارثي، ووزيري، وأميني، والقائم بأمري، والموفي بعهدي على سنّتي، أوّل النّاس بي إيماناً، وآخرهم عهداً عند الموت، وأوسطهم لي لقاءً يوم القيامة، فليبلّغ شاهدكم غائبكم: ألا ومن أمّ قوماً إمامةً عمياء، وفي الأمّة من هو أعلم، فقد كفر.
أيّها النّاس! ومن كانت له قبلي تبعةٌ فها أنا، ومن كانت له عدة، فليأت فيها عليّ بن أبي طالب، فإنّه ضامنٌ لذلك كلّه، حتى لا يبقى لأحدٍ عليّ تباعةٌ.
خطبة الغدير (5)
الحمد لله الذي علا في توحّده، ودنا في تفرّده، وجلّ في سلطانه، وعظم في أركانه، وأحاط بكلّ شيء علماً وهو في مكانه، وقهر جميع الخلق بقدرته وبرهانه، مجيداً لم يزل، محموداً لا يزال، بارئ المسموكات، وداحي المدحوّات، وجبّار الأرضين والسماوات، قدّوسٌ سبّوح، ربّ الملائكة والروح، متفضّل على جميع من برأ متطوّل على جميع من أنشأ، يلحظ كل عين، والعيون لا تراه، كريم، حليم، ذو أناة، قد وسع كلّ شيء رحمته، ومنّ عليهم بنعمته، لا يعجل بانتقامه، ولا يبادر إليهم بما استحقّوا من عذابه، قد فهم السرائر، وعلم الضمائر، ولم تخف عليه المكنونات، ولا اشتبهت عليه الخفيّات، له الإحاطة بكل شيء، والغلبة على كل شيء، والقوة في كل شيء، والقدرة على كل شيء، وليس مثله شيء، وهو منشئ الشيء، حين لا شيء، دائمٌ قائمٌ بالقسط، لا إله إلا هو العزيز الحكيم، جلّ عن أن تدركه الأبصار، وهو يدرك الأبصار، وهو اللطيف الخبير، لا يلحق أحدٌ وصفه من معاينة، ولا يجد أحدٌ كيف هو من سرّ وعلانية، إلاّ بما دلّ عز وجل، على نفسه، وأشهد أنّه الله الذي ملأ الدهر قدسه، والذي يغشي الأبد نوره، والذي ينفذ أمره بلا مشاورة مشير، ولا معه شريكٌ في تقدير، ولا تفاوت في تدبير، صوّر ما أبدع على غير مثال، وخلق ما خلق بلا معونة من أحد، ولا تكلّف ولا احتيال، أنشأها فكانت، وبرأها فبانت، فهو الله الذي لا إله إلا هو، المتقن الصنعة، الحسن الصنيعة، العدل الذي لا يجور، الأكرم الذي ترجع إليه الأمور، وأشهد أنّه الذي تواضع كل شيء لقدرته، مالك الأملاك، مفلّك الأفلاك، ومسخّر الشمس والقمر، كلٌّ يجري لأجل مسمّى، يكوّر الليل على النّهار، ويكوّر النّهار على الليل، يطلبه حثيثاً، قاصم كل جبّار عنيد، ومهلك كل شيطان مريد، لم يكن معه ضدّ ولا ند، أحدٌ صمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، إلهٌ واحد، وربّ ماجد، يشاء ويمضي، ويريد فيقضي، ويعلم ويحصي، ويميت ويحيي، ويفقر ويغني، ويضحك ويبكي، ويمنع ويعطي، له الملك، وله الحمد، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، يولج الليل في النّهار، ويولج النّهار في اللّيل، لا إله إلا هو العزيز الغفّار، مستجيب الدعاء، ومجزل العطاء، محصي الأنفاس، وربّ الجنّة والنّاس، لا يشكل عليه شيء، ولا يضجره صراخ المستصرخين، ولا يبرمه إلحاح الملحّين، العاصي للصالحين، والموفّق للمفلحين، ومولى العالمين، الذي استحق من كل خلق أن يشكره ويحمده، أحمده على السّرّاء والضراء والشدة والرخاء، وأؤمن به وبملائكته، وكتبه ورسله، أسمع أمره وأطيع، وأبادر إلى كل ما يرضاه، وأستسلم لقضائه رغبةً في طاعته، وخوفاً من عقوبته، لأنّه الله الذي لا يؤمن مكره، ولا يخاف جوره، وأقرّ له على نفسي بالعبودية، وأشهد له بالربوبيّة، وأؤديّ ما أوحى إليّ، حذراً من أن لا أفعل، فتحلّ بي منه قارعة لا يدفعها عنّي أحد، وإن عظمت حيلته، لا إله إلا هو، لأنّه قد أعلمني أنّي إن لم أبلّغ ما أنزل إليّ، فما بلّغت رسالته، وقد ضمن لي تبارك وتعالى، العصمة، وهو الله الكافي الكريم، فأوحى إليّ (بسم الله الرحمن الرحيم. يا أيّها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك) في عليّ يعني في الخلافة لعلي بن أبن طالب (وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته، والله يعصمك من النّاس).
معاشر الناس! ما قصرت في تبليغ ما أنزل الله تعالى إليّ، وأنا مبين لكم سبب نزول هذه الآية: إن جبرائيل هبط إليّ مراراً ثلاثاً، يأمرني عن السّلام ربي وهو السلام: أن أقوم في هذا المشهد، فأعلم كل أبيض وأسود: أن علي بن أبي طالب أخي، ووصيي، وخليفتي والإمام من بعدي، الذي محلّه مني محل هارون من موسى، إلا أنّه لا نبي بعدي، وهو وليّكم بعد الله ورسوله، وقد أنزل الله تبارك وتعالى، عليّ بذلك آية من كتابه: (إنّما وليّكم الله ورسوله والّذين آمنوا الّذين يقيمون الصّلاة ويؤتون الزّكاة وهم راكعون) وعلي بن أبي طالب أقام الصلاة، وآتى الزّكاة وهو راكع، يريد الله عز وجل، في كل حال، وسألت جبرائيل أن يستعفي لي عن تبليغ ذلك إليكم.
أيّها النّاس! لعلمي بقلّة المتقين، وكثرة المنافقين، وإدغال الآثمين، وخبل المستهزئين بالإسلام، الذين وصفهم الله في كتابه، بأنّهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، ويحسبونه هينّاً وهو عند الله عظيم، وكثرة أذاهم لي في غير مرة حتى سموني: أذناً، وزعموا أنّي كذلك، لكثرة ملازمته إياي، وإقبالي عليه، حتى أنزل الله عز وجل، في ذلك قرآناً: (ومنهم الّذين يؤذون النّبيّ ويقولون هو أذن قل أذن) على اللذين يزعمون أنه أذن (خيرٍ لكم) لو شئت أن أسمي لسميّت، وأن أومئ إليهم بأعيانهم لأومأت، وأن أدلّ عليهم لدللت، ولكني والله في أمورهم قد تكرّمت، وكل ذلك لا يرضي الله مني، إلا أن أبلغ ما أنزل إلي.
(يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك) في عليّ (وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته والله يعصمك من النّاس)، فاعلموا، معاشر النّاس: أن الله قد نصبه لكم وليّاً وإماماً، مفترضاً طاعته، على المهاجرين والأنصار، وعلى التابعين لهم بإحسان، وعلى البادي والحاضر، وعلى الأعجمي والعربي، والحر والمملوك، والصغير والكبير، وعلى الأبيض والأسود، وعلى كل موحد، ماض حكمه، جائز قوله، نافذ أمره، ملعون من خالفه، مرحوم من تبعه، مؤمن من صدّقه، فقد غفر الله له، ولمن سمع منه، وأطاع له.
معاشر الناس! إنّه آخر مقام أقومه في هذا المشهد، فاسمعوا، وأطيعوا، وانقادوا لأمر ربكم، فإن الله عز وجل، هو مولاكم، وإلهكم، ثم من دونه محمد وليّكم، القائم المخاطب لكم، ثم من بعدي عليّ وليّكم وإمامكم بأمر ربكم، ثم الإمامة في ذريتي من ولده، إلى يوم تلقون الله ورسوله، لا حلال إلاّ ما أحلّه الله، ولا حرام إلاّ ما حرّمه الله، عرّفني الحلال والحرام، وأنا أفضيت بما علمني ربي، من كتابه وحلاله وحرامه.
معاشر الناس! ما من علم إلاّ وقد أحصاه الله فيّ، وكلّ علم علّمت فقد أحصيته في إمام المتقين، وما من علمٍ إلا علّمته عليّاً، وهو الإمام المبين.
معاشر النّاس! لا تضلّوا عنه، ولا تنفروا منه، ولا تستكبروا من ولايته، فهو الذي يهدي إلى الحق، ويعمل به، ويزهق الباطل، وينهي عنه، ولا تأخذه في الله لومة لائم، ثم إنّه أوّل من آمن بالله ورسوله، وهو الذي فدّى رسوله بنفسه، وهو الذي كان مع رسول الله، ولا أحد يعبد الله مع رسوله من الرجال غيره.
معاشر الناس! فضّلوه فقد فضّله الله، واقبلوه فقد نصبه الله.
معاشر النّاس! إنّه إمام من الله، ولن يتوب الله على أحد أنكر ولايته، ولن يغفر الله له، حتماً على الله أن يفعل ذلك بمن خالف أمره فيه، وأن يعذبه عذاباً نكراً، أبد الآباد، ودهر الدهور، فاحذروا أن تخالفوه، فتصلوا ناراً وقودها الناس والحجارة، أعدّت للكافرين.
أيّها النّاس! والله بشّر به الأولين من النبيين والمرسلين، وأنا خاتم الأنبياء والمرسلين، والحجة على جميع المخلوقين، من أهل السماوات والأرضين، فمن شك في ذلك فهو كافر كفر الجاهلية الأولى، ومن شك في شيء من قولي هذا، فقد شكّ في الكلّ منه، والشاكّ في ذلك فله النّار.
معاشر النّاس! حباني الله بهذه الفضيلة، منّاً منه عليّ، وإحساناً منه إليّ، ولا إله إلا هو، له الحمد مني أبد الآبدين ودهر الداهرين على كل حال.
معاشر النّاس! فضّلوا عليّاً، فإنّه أفضل الناس بعدي، من ذكرٍ وأنثى، بنا أنزل الله الرزق وأبقى الخلق، ملعون ملعون، مغضوب مغضوب، من رد عليّ قولي هذا، ولم يوافقه، ألا إنّ جبرائيل أخبرني عن الله تعالى بذلك، ويقول: من عادى عليّاً ولم يتولّه فعليه لعنتي وغضبي، فلتنظر نفس ما قدّمت لغد، واتقوا الله أن تخالفوه، فتزلّ قدم بعد ثبوتها، إن الله خبير بما تعملون.
معاشر النّاس! إنّه جنب الله الذي ذكر في كتابه فقال تعالى: (أن تقول نفسٌ يا حسرتا على ما فرّطت في جنب الله).
معاشر النّاس! تدبروا القرآن، وافهموا آياته، وانظروا إلى محكماته، ولا تتبعوا متشابهه، فوالله لن يبين لكم زواجره، ولا يوضح لكم تفسيره، إلا الذي أنا آخذ بيده، ومصعده إليّ، وشائل بعضده، ومعلمكم: أن من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه، وهو عليّ بن أبي طالب، أخي ووصيي، وموالاته من الله عز وجل، اتركها علي.
معاشر النّاس! إن عليّاً والطيبين من ولدي، هم الثّقل الأصغر، والقرآن الأكبر، فكل واحد منبئ عن صاحبه، وموافق له، لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، هم أمناء الله في خلقه، وحكماؤه في أرضه، ألا وقد أدّيت، ألا وقد بلّغت، ألا وقد أوضحت، ألا وإن الله عز وجل، قال، وأنا قلت عن الله عز وجل، ألا إنّه ليس أمير المؤمنين غير أخي هذا، ولا تحل إمرة المؤمنين بعدي لأحد غيره(6).
معاشر النّاس! هذا عليّ أخي ووصيّي، وواعي علمي، وخليفتي على أمّتي، وعليّ تفسير كتاب الله عز وجل، والداعي إليه، والعامل بما يرضاه، والمحارب لأعدائه، والموالي على طاعته، والناهي عن معصيته، خليفة رسول الله، وأمير المؤمنين، والإمام الهادي، وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، بأمر الله أقول: ما يبدّل القول لدي، بأمر ربي أقول: اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، والعن من أنكره، واغضب على من جحد حقه، اللهم إنّك أنزلت علي: أن الإمامة بعدي لعليّ، وليّك، عند تبياني ذلك، ونصبي إياه، بما أكملت لعبادك من دينهم، وأتممت عليهم بنعمتك، ورضيت لهم الإسلام ديناً، فقلت: (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين). اللهم إنّي أشهدك، وكفى بك شهيداً: أنّي قد بلّغت.
معاشر النّاس! إنّما أكمل الله عز وجل، دينكم بإمامته، فمن لم يأتمّ به، وبمن يقوم مقامه من ولدي من صلبه، إلى يوم القيامة، والعرض على الله عز وجل، فأولئك الذين حبطت أعمالهم، وفي النار هم فيها خالدون، ولا يخفف عنهم العذاب، ولا هم ينظرون.
معاشر النّاس! هذا عليٌّ، أنصركم، وأحقكم بي، وأقربكم إليّ، وأعزكم عليّ، والله عز وجل، وأنا عنه راضيان، وما نزلت آية رضى إلا فيه، وما خاطب الله الذين آمنوا، إلاّ بدأ به، ولا نزلت آية مدح في القرآن إلاّ فيه، ولا شهد بالجنة في (هل أتى على الإنسان) إلا له، ولا أنزلها في سواه، ولا مدح بها غيره.
معاشر النّاس! هو ناصر دين الله، والمجادل عن رسول الله، وهو التقي النقي، الهادي المهدي، نبيّكم خير نبيّ، ووصيكم خير وصيّ، وبنوه خير الأوصياء.
معاشر النّاس! ذرية كل نبي من صلبه، وذريتي من صلب عليّ.
معاشر النّاس! إن إبليس أخرج آدم من الجنة بالحسد، فلا تحسدوه فتحبط أعمالكم، وتزلّ أقدامكم، فإن آدم أهبط إلى الأرض بخطيئة واحدة، وهو صفوة اللّه عز وجل، وكيف بكم وأنتم أنتم، ومنكم أعداء الله، ألا إنّه لا يبغض عليّاً إلاّ شقي، ولا يتولى علياً إلا تقي، ولا يؤمن به إلا مؤمن مخلص، وفي عليّ والله نزلت سورة والعصر: (بسم الله الرحمن الرّحيم والعصر إنّ الإنسان لفي خسرٍ إلاّ الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات وتواصوا بالحقّ وتواصوا بالصّبر).
معاشر النّاس! قد استشهدت الله، وبلّغكم رسالتي، وما على الرسول إلاّ البلاغ المبين.
معاشر النّاس! اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون.
معاشر النّاس! آمنوا بالله ورسوله، والنور الذي أنزل معه، من قبل أن نطمس وجوهاً فنردّها على أدبارها.
معاشر النّاس! النّور من الله عز وجل، فيّ مسلوك، ثم في عليّ، ثم في النسل منه، إلى القائم المهدي، الذي يأخذ بحق الله، وبكل حق هو لنا، لأن الله عز وجل، قد جعلنا حجّة على المقصرين، والمعاندين، والمخالفين، والخائنين، والآثمين، والظالمين، من جميع العالمين.
معاشر النّاس! أنذرتكم أنّي رسول قد خلت من قبلي الرسل، أفإن متّ أو قتلت انقلبتم على أعقابكم، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً، وسيجزي الله الشاكرين. ألا وإن عليّاً هو الموصوف بالصبر والشكر، ثم من بعده ولدي من صلبه.
معاشر النّاس! لا تمنّّوا على الله إسلامكم، فيسخط عليكم، ويصيبكم بعذاب من عنده، إنّه لبالمرصاد.
معاشر النّاس! إنّه سيكون من بعدي أئمة يدعون إلى النّار، ويوم القيامة لا ينصرون.
معاشر النّاس! إنّ الله وأنا بريّان منهم.
معاشر النّاس! إنّهم وأنصارهم، وأتباعهم، وأشياعهم، في الدرك الأسفل من النار، ولبئس مثوى المتكبرين، ألا إنّهم أصحاب الصحيفة، فلينظر أحدكم في صحيفته.
معاشر النّاس! إنّي أدعها إمامة، ووراثة في عقبي إلى يوم القيامة، وقد بلّغت ما أمرت بتبليغه، حجّة على كل حاضر وغائب، وعلى كل أحد ممّن شهد أو لم يشهد، ولد أو لم يولد، فليبلغ الحاضر الغائب والوالد الولد، إلى يوم القيامة، وسيجعلونها ملكاً واغتصاباً، ألا لعن الله الغاصبين، والمغتصبين، وعندها سنفرغ لكم أيّها الثّقلان، فيرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران.
معاشر النّاس! إنّ الله عز وجل، لم يكن يذركم على ما أنتم عليه، حتى يميّز الخبيث من الطيب، وما كان الله ليطلعكم على الغيب.
معاشر النّاس! إنّه ما من قرية إلا والله مهلكها بتكذيبها، وكذلك يهلك القرى وهي ظالمة، كما ذكر الله تعالى، وهذا عليّ إمامكم، ووليكم، وهو مواعيد الله، والله يصدق ما وعده.
معاشر النّاس! قد ضلّ قبلكم أكثر الأولين، والله لقد أهلك الأولين، وهو مهلك الآخرين، قال الله تعالى: (ألم نهلك الأوّلين ثمّ نتبعهم الآخرين كذلك نفعل بالمجرمين ويلٌ يومئذٍ للمكذّبين).
معاشر النّاس! إنّ الله قد أمرني ونهاني، وقد أمرت عليّاً ونهيته، فعلم الأمر والنهي من ربّه عز وجل، فاسمعوا لأمره تسلموا، وأطيعوه تهتدوا، وانتهوا لنهيه ترشدوا، وصيروا إلى مراده، ولا تتفرق بكم السبل عن سبيله، أنا صراط الله المستقيم، الذي أمركم باتباعه، ثم عليّ من بعدي، ثم ولدي من صلبه، أئمة يهدون إلى الحقّ وبه يعدلون. ثم قرأ الحمد لله ربّ العالمين إلى آخرها، وقال: فيّ نزلت، وفيهم نزلت، ولهم عمّت، وإياهم خصّت، أولئك أولياء الله، لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون، ألا إن حزب الله هم الغالبون، ألا إن أعداء عليّ هم أهل الشقاق والنفاق، والحادّون وهم العادون، وإخوان الشياطين، الذين يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً، ألا إن أولياءهم الذين ذكرهم الله في كتابه فقال عز وجل: (لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حادّ الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيّدهم بروحٍ منه ويدخلهم جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إنّ حزب الله هم المفلحون). ألا إن أولياءهم الذين وصفهم الله عز وجل، فقال: (الّذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلمٍ أولئك لهم الأمن وهم مهتدون). ألا إن أولياءهم الذين وصفهم الله عز وجل، فقال: (الّذين يدخلون الجنّة آمنين وتتلقّاهم الملائكة) بالتسليم، (أن طبتم فادخلوها خالدين). ألا إن أولياءهم الذين قال لهم الله عز وجل: (يدخلون الجنّة بغير حسابٍ). ألا إن أعداءهم يصلون سعيراً. ألا إن أعداءهم الذين يسمعون لجهنم شهيقاً وهي تفور، ولها زفير (كلّما دخلت أمّةٌ لعنت أًختها حتّى إذا ادّاركوا فيها جميعاً قالت أخراهم لأولاهم ربّنا هؤلاء أضلّونا فآتهم عذاباً ضعفاً من النّار قال لكلٍّ ضعفٌ ولكن لا تعلمون). ألا إن أعداءهم الذين قال الله عز وجل: (كلّما ألقي فيها فوجٌ سألهم خزنتها ألم يأتكم نذيرٌ قالوا بلى قد جاءنا نذيرٌ فكذّبنا وقلنا ما نزّل الله من شيءٍ إن أنتم إلاّ في ضلالٍ مبينٍ). ألا إن أولياءهم الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير.
معاشر النّاس! شتّان ما بين الجنّة والسعير، عدوّنا من ذمه الله ولعنه، ووليّنا من مدحه الله وأحبّه.
معاشر النّاس! ألا إنّي منذر وعليٌّ هادٍ.
معاشر النّاس! إنّي نبي، وعليّ وصيّ، ألا إن خاتم الأئمة منا، القائم المهدي، ألا إنّه الظاهر على الدين، ألا إنّه المنتقم من الظالمين، ألا إنّه فاتح الحصون وهادمها، ألا إنّه قاتل كل قبيلة من أهل الشرك، ألا إنّه مدرك بكل ثأر لأولياء الله، ألا إنّه الناصر لدين الله، ألا إنّه الغرّاف من بحر عميق، ألا إنّه يسم كل ذي فضل بفضله، وكل ذي جهل بجهله، ألا إنّه خيرة الله ومختاره، ألا إنّه وارث كل علم والمحيط به، ألا إنّه المخبر عن ربّه عز وجل، والمنبه بأمر إيمانه، ألا إنّه الرشيد السديد، ألا إنّه المفوض إليه، ألا قد بشّر به من سلف بين يديه، ألا إنّه الباقي حجّة، ولا حجّة بعده، ولا حقّ إلا معه، ولا نور إلا عنده، ألا إنّه لا غالب له، ولا منصور عليه، ألا إنّه وليّ الله في أرضه، وحكمه في خلقه، وأمينه في سره وعلانيته.
معاشر النّاس! قد بيّنت لكم، وأفهمتكم، وهذا عليّ يفهمكم بعدي، ألا وإنّي عند انقضاء خطبتي أدعوكم إلى مصافقتي على بيعته، والإقرار به، ثم مصافقته بعدي، ألا وإنّي قد بايعت الله، وعليٌّ قد بايعني، وأنا آخذكم بالبيعة له عن الله عز وجل (ومن نكث فإنّما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيماً).
معاشر النّاس! (إنّ الحجّ والعمرة من شعائر الله فمن حجّ البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطّوّف بهما ومن تطّوّع خيراً فإنّ الله شاكرٌ عليمٌ).
معاشر النّاس! حجّوا البيت، فما ورده أهل بيت إلا استغنوا، ولا تخلفوا عنه إلا افتقروا.
معاشر النّاس! ما وقف بالموقف مؤمن، إلا غفر الله له ما سلف من ذنبه إلى وقته ذلك، فإذا انقضت حجّته استؤنف عمله.
معاشر النّاس! الحجّاج معانون، ونفقاتهم مختلفة، والله لا يضيع أجر المحسنين.
معاشر النّاس! حجّوا البيت بكمال الدين والتفقّه، ولا تنصرفوا عن المشاهد إلاّ بتوبة وإقلاع.
معاشر النّاس! أقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة، كما أمركم الله عز وجل، لئن طال عليكم الأمد فقصرتم، أو نسيتم، فعليٌّ وليّكم، ومبين لكم، الذي نصبه الله عز وجل، بعدي، ومن خلقه الله مني وأنا منه، يخبركم بما تسألون عنه، ويبين لكم ما لا تعلمون، ألا إن الحلال والحرام أكثر من أن أحصيهما وأعرّفهما، فآمر بالحلال وأنهي عن الحرام في مقام واحد، فأمرت أن آخذ بالبيعة منكم، والصفقة لكم، بقبول ما جئت به عن الله عز وجل، في عليّ أمير المؤمنين، والأئمة من بعده، الذي مني ومنه أمة قائمة، منهم المهدي، إلى يوم القيامة الذي يقضي بالحق.
معاشر النّاس! وكل حلال دللتكم عليه، أو حرام نهيتكم عنه، فإنّي لم أرجع عن ذلك، ولم أبدل. ألا فاذكروا ذلك، واحفظوه، وتواصوا به، ولا تبدّلوه، ولا تغيروه، ألا وإنّي أجدّد القول، ألا فأقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وأمروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، إن تنتهوا إلى قولي، وتبلغوه من لم يحضر، وتأمروه بقبوله، وتنهوه عن مخالفته، فإنّه أمر من الله عز وجل، ومنّي، ولا أمر بمعروف ولا نهي عن منكر إلا مع إمام معصوم.
معاشر النّاس! القرآن يعرّفكم أن الأئمة من بعده ولده، وعرّفتكم أنّه منّي وأنا منه، حيث يقول الله في كتابه: (وجعلها كلمةً باقيةً في عقبه)، وقلت: لن تضلّوا ما إن تمسكتم بهما.
معاشر النّاس! التقوى، احذروا الساعة، كما قال الله عز وجل: (إنّ زلزلة السّاعة شيءٌ عظيمٌ). اذكروا الممات، والحسنات، والموازين، والمحاسبة بين يدي ربّ العالمين، والثواب، والعقاب، فمن جاء بالحسنة أثيب عليها، ومن جاء بالسيئة فليس له في الجنان نصيب.
معاشر النّاس! إنّكم أكثر من أن تصافقوني بكف واحدة، وقد أمرني الله عز وجل، أن آخذ من ألسنتكم الإقرار بما عقدت لعليّ من إمرة المؤمنين، ومن جاء بعده من الأئمة مني ومن عليّ، وأمر ولده من صلبه من الأئمة: نبايعك على ذلك بقلوبنا، وأنفسنا، وألسنتنا، وأيدينا، على ذلك نحيا، ونموت، ونبعث، ولا نغيّر، ونبدّل، ولا نشك، ولا نرتاب، ولا نرجع من عهد، ولا ننقض الميثاق، نطيع الله، ونطيعك وعليّاً: أمير المؤمنين، وولده الأئمة الذين ذكرتهم من ذريتك، من صلبه، بعد الحسن والحسين، اللذين قد عرّفتكم مكانهما مني، ومحلهما عندي، ومنزلتهما من ربي عز وجل، فقد أدّيت ذلك إليكم، وإنهما سيدا شباب أهل الجنة، وإنّهما الإمامان بعد أبيهما عليّ، وأنا أبوهما قبله، وقولوا: أعطينا الله بذلك، وإياك وعليّاً، والحسن والحسين، والأئمة الذين ذكرت، عهداً وميثاقاً، مأخوذاً لأمير المؤمنين، من قلوبنا، وأنفسنا، وألسنتنا، ولا نرى من أنفسنا عنه حولاً أبداً، أشهدنا الله، وكفى بالله شهيداً، وأنت علينا به شهيد، وكل من أطاع ممّن ظهر واستتر، وملائكة الله وجنوده، وعبيده، والله أكبر من كل شهيد.
معاشر النّاس! ما تقولون، فإن الله يعلم كل صوت، وخافية كل نفس، فمن اهتدى فلنفسه، ومن ضلّ فإنّما يضلّ عليها، ومن بايع فإنّمت يبايع الله، يد الله فوق أيديهم.
معاشر النّاس! فاتقوا الله وبايعوا عليّاً أمير المؤمنين، والحسن والحسين، والأئمة كلمة طيبة باقية، يهلك الله من غدر، ويرحم الله من وفى، (ومن نكث فإنّما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيماً).
معاشر النّاس! قولوا الذي قلت لكم، وسلّموا على عليّ بإمرة المؤمنين، وقولوا: سمعنا وأطعنا، غفرانك ربّنا، وإليك المصير، وقولوا: الحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنّا لنهتدي، لولا أن هدانا الله.
معاشر النّاس! إن فضائل عليّ بن أبي طالب عند الله عز وجل، وقد أنزلها في القرآن، أكثر من أن أحصيها في مقام واحد، فمن أنبأكم بها وعرّفها فصدقوه.
معاشر النّاس! من يطع الله ورسوله، وعليّاً والأئمة الذين ذكرتهم، فقد فاز فوزاً عظيماً.
معاشر النّاس! السابقون إلى مبايعته، وموالاته، والتسليم عليه بإمرة المؤمنين، أولئك هم الفائزون في جنّات النّعيم.
معاشر النّاس! قولوا ما يرضى الله به عنكم من القول، وإن تكفروا أنتم ومن في ألأرض جميعاً، فلن يضر الله شيئاً، اللهم اغفر للمؤمنين، واغضب على الكافرين، والحمد لله ربّ العالمين (7).
عليك بعليّ (
يا عمّار! إنّه سيكون بعدي هنات، حتى يختلف السيف فيما بينهم، وحتى يقتل بعضهم بعضاً، وحتى يبرأ بعضهم من بعض، فإذا رأيت ذلك فعليك بهذا الأصلع عن يميني: عليّ بن أبي طالب، فإن سلك الناس كلّهم وادياً، وسلك عليٌّ وادياً فاسلك وادي عليّ، وخلّ عن الناس.
يا عمّار! إنّ عليّاً لا يردّك عن هدى، ولا يدلك على ردى.
يا عمّار! طاعة عليّ طاعتي، وطاعتي طاعة الله.
من ظلم عليّاً (9)
من ظلم عليّاً مقعدي هذا بعد وفاتي، فكأنّما جحد بنبوّتي، ونبوّة الأنبياء قبلي.
فضل عليّ (10)
لولا أنّني أشفق أن تقول فيك طوائف ما قالت النصارى في عيسى ابن مريم، لقلت فيك اليوم مقالاً، لا تمرّ بملأ منهم إلاّ أخذوا التراب من تحت قدميك.
الأئمة بعدي (11)
الأئمة بعدي بعدد نقباء بني إسرائيل، وحواريي عيسى، من أحبه فهو مؤمن ومن أبغضهم فهو منافق، هم حجج الله في خلقه وأعلامه في بريّته.
أئمة الحق (12)
يا علي! أنت الإمام والخليفة بعدي، وأنت أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضيت فابنك الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضى الحسن فالحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضى الحسين فابنه عليّ بن الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضى عليّ فابنه محمد أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضى محمّد فابنه جعفر أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضى جعفر فابنه موسى أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضى محمّد فابنه عليّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضى عليّ فابنه الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضى الحسن فالقائم المهدي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، يفتح الله به مشارق الأرض ومغاربها، فهم أئمة الحق، وألسنة الصدق، منصورٌ من نصرهم، مخذول من خذلهم.
نور فاطمة (13)
خلق الله نور فاطمة قبل أن يخلق الأرض والسماء، فقال بعض الناس: يا نبيّ الله فليست هي إنسية؟ فقال: فاطمة حوراء إنسية، خلقها الله عز وجل، من نوره قبل أن يخلق آدم إذ كانت الأرواح، فلمّا خلق الله عز وجل، آدم، عرضت على آدم، قيل: يا نبيّ الله! وأين كانت فاطمة؟ قال: كانت في حُقّةٍ تحت ساق العرش، قالوا: يا نبيّ الله! فماذا كان طعامها؟ قال: التسبيح والتهليل والتمجيد.
فلمّا خلق الله عز وجل، آدم، وأخرجني من صلبه، وأحب الله عز وجل، أن يخرجها من صلبي، جعلها تفاحة في الجنة وأتاني بها جبرائيل، فقال لي: السلام عليك ورحمة الله وبركاته عليك يا محمّد، قلت: وعليك السلام ورحمة الله يا حبيبي جبرائيل، فقال: يا محمّد إن ربّك يقرئك السلام، قلت: منه السلام وإليه يعود السلام، قال: يا محمد إن هذه تفاحة أهداها الله عز وجل، إليك من الجنة. فأخذتها وضممتها إلى صدري.
قال: يا محمّد! يقول الله، جلّ جلاله، كلها، ففلقتها فرأيت نوراً ساطعاً وفزعت منه.
فقال: يا محمّد! ما لك لا تأكل؟ كلها ولا تخف، فإن ذلك النور للمنصورة في السماء، وهي في الأرض فاطمة.
قلت: حبيبي جبرائيل، ولم سمّيت في السماء المنصورة، وفي الأرض فاطمة؟
قال: سمّيت في الأرض فاطمة، لأنها فطمت شيعتها من النار، وفطم أعداؤها من حبّها، وهي في السماء المنصورة، وذلك قول الله عز وجل: (ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء) يعني نصر فاطمة لمحبيها.
اثنا عشر إماماً (14)
إن هذا الأمر يملكه بعدي اثنا عشر إماماً، تسعة من صلب الحسين أعطاهم الله علمي وفهمي، ما لقوم يؤذونني فيهم لا أنالهم الله شفاعتي.
نطفة فاطمة (15)
لمّا عرج بي إلى السماء، أخذ بيدي جبرائيل، فأدخلني الجنة، فناولني من رطبها فأكلته، فتحول ذلك نطفة في صلبي، فلمّا هبطت إلى الأرض، واقعت خديجة، وحملت بفاطمة، ففاطمة حوراء إنسية، فكلّما اشتقت إلى رائحة الجنّة شممت رائحة ابنتي فاطمة.
فضل فاطمة (16)
فاطمة سيدة نساء العالمين، من الأولين والآخرين، وإنّها لتقوم في محرابها، فيسلّم عليها سبعون ألف ملك من المقربين، وينادونها بما نادت به الملائكة مريم، فيقولون: يا فاطمة إن الله اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين.
خطبة الزواج (17)
الحمد لله المحمود بنعمته، المعبود بقدرته، المطاع بسلطانه، المرهوب من عذابه، المرغوب إليه فيما عنده، النافذ أمره في سمائه وأرضه، الذي خلق الخلق بقدرته، وميّزهم بحكمته، وأحكمهم بعزته، وأعزهم بدينه، وأكرمهم بنبيه محمد، ثم إن الله عز وجل، قد جعل المصاهرة نسباً لاحقاً، وأمراً مفترضاً، نسخ بها الآثام، وأوشج بها الأرحام، وألزمها الأنام، فقال عزّ وجل، (وهو الّذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً وكان ربّك قديراً) فأمر الله يجري قضاءه، وقضاؤه يجري إلى قدره، وقدره يجري إلى أجله، فلكل قضاء قدر، ولكل قدر أجل، ولكل أجل كتاب، يمحو الله من يشاء ويثبت، وعنده أمّ الكتاب.
ثم إن الله تعالى أمرني أن أزوج فاطمة من علي، وقد زوجته على أربعمائة مثقال فضة.
نثار زواج فاطمة (18)
يا أمّ أيمن، لم تكذبين؟ فإن الله تعالى لما زوج فاطمة عليّاً، أمر أشجار الجنة أن تنثر من حليّها، وحللها، وياقوتها، ودرّها، وزمرّدها، وإستبرقها، فأخذوا منها ما لا يعلمون.
فاطمة في الجنة (19)
إن ملك الموت خيّرني، فاستنظرته إلى نزول جبرائيل، فتجلّى ابنته الغشي، فقال لها: يا بنتي! احفظي عليك، فإنك وبعلك وابنيك معي في الجنّة.
إبراهيم فداء الحسين (20)
إن إبراهيم أمّة أمةٌ ومتى مات لم يحزن عليه غيري، وأمّ الحسين فاطمة وأبوه عليّ ابن عمي ولحمي ودمي، ومتى مات حزنت ابنتي وحزن ابن عمي وحزنت أنا عليه، وأنا أوثر حزني على حزنها. يا جبرائيل يقبض إبراهيم فديةً للحسين (21).
1- أعيان الشيعة، الجزء الثاني، صفحة 226، عن المفيد في الإرشاد، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله):...
2- ناسخ التواريخ، الجزء الثالث، قال أمير المؤمنين (عليه السلام) خطب بنا رسول الله فقال:...
3- فقام مقداد بن الأسود، وقال: يا رسول الله، فما تأمرنا أن نفعل؟ فقال:...
4- ناسخ التواريخ، الجزء الثالث: آخر خطبة خطبها رسول الله على المنبر.
5- خطبة الرسول (صلى الله عليه وآله) يوم غدير خم خطبة رويت بسند متواتر، وليس في الإسلام حديث - بعد حديث بعثة الرسول (صلى الله عليه وآله) - أكثر تواتراً من حديث الغدير، فقد رواها أكثر المهاجرين والأنصار، والتابعين والرواة - رغم أن الاتجاه السياسي كان يمنع من روايته - وقد ألف العلماء مئات من الكتب المستقلة، في تدقيق نصه وأسانيده، ومنها كتاب (العقبات) للعلامة المغفور له، السيد مير حامد حسين، وكتاب (الغدير) للبحاثة الشيخ عبد الحسين الأميني.
ونحن هنا نروي هذا الحديث عن كتاب الاحتجاج للطبرسي صفحة 31 - 41 وقد رواه بالسند التالي: حدثني السيد الجليل أبو جعفر مهدي بن أبي حرب، عن الشيخ أبي علي الحسن بن السعيد أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي، عن الشيخ أبي جعفر عن جماعة، عن محمد بن هارون بن موسى التلعكبري، عن أبي علي محمد بن همام، عن علي السوري، عن أبي محمد العلوي من ولد الأفطس، عن محمد بن موسى الهمداني، عن محمد بن خالد الطيالسي، عن سيف بن عميرة، وصالح بن عقبة جميعاً، عن قيس بن سمعان، عن علقمة بن محمد الحضرمي، عن أبي جعفر محمد بن علي أنه قال:
حج رسول الله (صلى الله عليه وآله) من المدينة، وقد بلغ جميع الشرائع قومه، غير الحج والولاية، فأتاه جبرائيل فقال: يا محمدّ إن الله جل اسمه يقرئك السلام، ويقول لك: إني لم أقبض نبياً من أنبيائي ولا رسولا من رسلي، إلا بعد إكمال ديني وتأكيد حجتي، وقد بقي عليك من ذاك فريضتان، مما يحتاج أن تبلغها قومك، فريضة الحج، وفريضة الولاية والخلافة من بعدك، فإنني لم أخل أرضي من حجة، ولن أخليها أبداً، فإن الله، جل ثناؤه، يأمرك أن تبلغ قومك الحج، وتحج، ويحج معك من استطاع إليه سبيلا، من أهل الحضر والأطراف والأعراب، وتعلمهم معالم حجهم، مثلما علمتهم من صلاتهم، وزكاتهم، وصيامهم، وتوقفهم من ذلك على مثال الذي أوقفتهم عليه، من جميع ما بلغتهم من الشرائع، فنادى منادي رسول الله (صلى الله عليه وآله): ألا إن رسول الله يريد الحج، وأن يعلمكم من ذلك مثل الذي علمكم من شرائع دينكم، ويوقفكم من ذاك على ما أوقفكم عليه من غيره. فخرج (صلى الله عليه وآله) وخرج معه الناس، وأصغوا إليه لينظروا ما يصنع فيصنعوا مثله، فحج بهم، وبلغ من حج مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) من أهل المدينة وأهل الأطراف والأعراب، سبعين ألفاً أو يزيدون... فلما أتم الحج، ورجع، وبلغ غدير خم، قبل الجحفة بثلاثة أميال، أتاه جبرائيل (عليه السلام) على خمس ساعات مضت من النهار، بالزجر والانتهار، والعصمة من الناس، فقال: يا محمد إن الله عز وجل، يقرئك السلام، ويقول لك: (يا أيها النبي بلغ ما أنزل إليك من ربك في علي، فإن لم تفعل فما بلغت رسالته، والله يعصمك من الناس). وكان أوائلهم قريباً من الجحفة، فأمره بأن يرد من تقدم منهم، ويحبس من تأخر عنهم في ذلك المكان، ليقيم علياً علماً للناس، ويبلغهم ما أنزل الله تعالى في علي، وأخبره بان الله عز وجل، قد عصمه من الناس، فأمر رسول الله منادياً ينادي في الناس بالصلاة جامعة، ويرد من تقدم منهم ويحبس من تأخر، وتنحى عن يمين الطريق، إلى جنب مسجد الغدير - أمره بذلك جبرائيل عن الله عز وجل - وكان في الموضع سلمات، فأمر رسول الله أن يقم ما تحتهن، وينصب له حجارة كهيئة المنبر، ليشرف على الناس، فتراجع الناس واحتبس أواخرهم في ذلك المكان، فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) فوق تلك الأحجار، ثم حمد الله وأثنى عليه فقال:...
6- وكان منذ أول ما صعد رسول الله آخذ بعضد علي، ثم شاله حتى صارت رجله مع ركبة رسول الله. ثم قال:...
7- فلما أنهى الرسول خطابه هتف الحاضرون بأعلى أصواتهم: (يا رسول الله سمعنا وأطعنا على أمر الله وأمر رسوله بقلوبنا وألسنتنا وأيدينا) فنزل جبرائيل بالوحي: (اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً)، فقال الرسول (صلى الله عليه وآله): (الحمد لله على كمال الدين وتمام النعمة ورضا الرب برسالتي والولاية لعلي من بعدي) وانهال الناس على علي يصفقون على يده بالبيعة ويسلمون عليه بإمرة المسلمين وتقدمهم عمر بن الخطاب وهو يقول: (بخ بخ لك، يا أبا الحسن، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة) وكلما بايعت جماعة قال الرسول (صلى الله عليه وآله): (الحمد له الذي فضلنا على جميع العالمين). وطالت البيعة ثلاثة أيام وظهر جبرائيل في صورة شاب جميل متعطر وقال للمسلمين: (والله ما رأيت كاليوم قط، ما أشد وما أكد لابن عمه، أن يعقد له عقداً لا يحله إلا كافر بالله العظيم ورسوله الكريم، ويل طويل لمن حل عقده)، فلما سلم الناس على علي بإمرة المؤمنين قال الرسول (صلى الله عليه وآله): (إنه سيد المسلمين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، وهذا ولي كل مؤمن بعدي، وإن علياً مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن ومؤمنة).
واستأذن حسان بن ثابت، شاعر رسول الله (صلى الله عليه وآله) من النبي (صلى الله عليه وآله) أن يلقي خواطره، فقال له الرسول: (قل يا حسان على اسم الله) فصعد ربوة من الأرض، وأنشأ:
يناديهم يوم الغديـــــــر نبيهم***بخم، واسمـــــع بالرسول مناديا
وقال: (فمن مولاكم ووليكم؟)***فقالوا - ولم يبدوا هناك تعاديا -
(إلهك مولانا وأنــت ولــــــينا***ولن تجدن منا لك اليوم عاصيا)
فقال له: (قم يا عــــلي فإنني***رضيتك من بعدي إماماً وهاديا)
فخص بها دون البريـــة كلها***علياً، وسمـــــــاه الغدير (أخائيا
فمن كنت مولاه فهذا ولـــــيه***فكونوا له أتبــاع صدق موالـيا)
هناك دعا: (اللهم وال ولـــيه***وكن للذي عــــادى معــــــاديـا)
فقال له الرسول (صلى الله عليه وآله): (لا زلت يا حسان مؤيداً بروح القدس، ما دمت مادحنا).
وسار الشعراء على نهج حسان، فنظموا قصة الغدير بملايين القصائد، وما مر شاعر من الشيعة بهذه الواقعة إلا وسكب فيها أروع مشاعره، ونظمها الكثيرون من شعراء غير الشيعة، ومن غير المسلمين، وخصصوا بنظمها ملاحم واسعة، كـ(عبد المسيح الأنطاكي) الذي نظمها في ملحمة تتجاوز سبعة آلاف بيت، و(بولس سلامة) الذي نظم عنها ملحمة في ثلاثة ألاف وخمسمائة بيت.
8- مجمع البيان، الجزء الثالث، صفحة 534 روى أبو أيوب الأنصاري أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال لعمار بن ياسر:...
9- مجمع البيان، الجزء الثالث، صفحة 534 عن كتاب شواهد التنزيل للحاكم أبي القاسم الحسكاني عن أبي الحمد مهدي بن نزار الحسني حدثني محمد بن القاسم بن أحمد عن أبي سعيد محمد بن الفضيل بن محمد بن صالح العرزمي عن عبد الرحمن بن أبي حاتم عن أبي سعيد الأشج عن أبي خلف الأحمر عن إبراهيم بن طهمان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية (واتقوا فتنة): قال النبي (صلى الله عليه وآله):...
10- أعيان الشيعة، الجزء الثاني، صفحة 206، قاله لأمير المؤمنين، بعد ما فتح الله على يديه في غزوة ذات السلسلة.
11- البحار، الجزء التاسع، صفحة 153، الطبعة القديمة، أبو المفضل الشيباني عن أحمد بن عامر بن سليمان الطائي عن محمد بن عمران الكوفي عن عبد الرحمن بن أبي نجران عن صفوان بن يحيى عن إسحاق بن عمار عن جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عن أخيه الحسن بن علي (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):...
12- البحار، الجزء التاسع، صفحة 156، الطبعة القديمة، عن الحسين بن علي، عن هارون بن موسى عن محمد بن إسماعيل الفزاري، عن عبد الله بن الصالح كاتب الليث عن رشد بن سعد عن الحسين بن يوسف الأنصاري عن سهل بن سعد الأنصاري قال: سئلت فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن الأئمة فقالت: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول لعلي:...
13- معاني الأخبار، عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):...
14- البحار، الجزء السادس، صفحة 153، الطبعة القديمة، علي بن الحسين بن محمد عن عتبة بن عبد الله الحمصي عن عبد الله محمد عن يحيى الصوفي عن علي بن ثابت عن ذر بن حبيش عن الحسن ابن علي (عليه السلام) قال: قال رسول الله:...
15- أمالي الصدوق، عن الرضا (عليه السلام) أنه قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله):...
16- ناسخ التواريخ، الجزء الثالث.
17- ناسخ التواريخ، الجزء الثالث، خطب بها رسول الله لما زوج النور من النور، علياً من فاطمة.
18- ناسخ التواريخ، الجزء الثالث: في الحديث أن أم أيمن قالت - يوماً - لرسول الله: إنك زوجت فاطمة فلم تنثر عليها ما ينثر على العرائس: فأجابها:...
19- ناسخ التواريخ، الجزء الثالث، روى بريدة عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال:..
20- ناسخ التواريخ، الجزء الثالث: خير الله النبي بين ابنه إبراهيم وسبطه الحسين فاختار الحسين على إبراهيم، وقال:...
21- وعلى أثر هذا الحادث كان النبي يرشف ثنايا الحسين ويقول: - فديت من فديته بابني إبراهيم.