لقد كتب الكثير من العلماء والحكماء العديد من المؤلفات التي تتحدث شخصية الإمام علي عليه السلام ..
تلك الشخصية الحكيمة والمتسمة بالعبقرية
فهناك الصفحات التي تحمل بلاغته وحكمته ..كما ازدانت الصفحات بجميل أدبه
وللمعرفة نصيب من فيض أمير المؤمين علومه وتطبيقاته
وسنعرض في صفحاتنا اقتباسات مبسطة من علم أمير المؤمنين عليه السلام
والتي من كتاب الإمام علي عليه السلام والعلم والمعرفة
تأليف آية الله الشيخ محمد جواد مغنية
وسبندأ بــــــ:
الأرض
كان كثير من الناس يعتقدون أنَّ الأرض قائمة على قرن ثور , وقال آخرون : إنها عائمة على وجه الماء , وأنها مجوفة , تماما ً كالسفينة . . وقال ثالث : إن للأرض عُمُدا ً وقوائم ثابتة على جبل قاف . . أما الإمام فقد نطق بالحقيقة الناصعة التي نراها اليوم ضرورة أولية , قال في بعض خطب النهج يوم لا علم , ولا نظرية جاذبية(1). (( وأنشأ الأرض فأمسكها من غير اشتغال , وأرساها على غير قرار , وأقامها بغير قوائم , ورفعها بغير دعائم )).
وفي خطبة رواها الشَّيخ هادي كاشف الغطاء في المستدرك:
(( ورفع السماء بغير عمد , وبسط الأرض على الهواء بغير أركان )) .
ووصف في بعض الخطب النهج ما يحيط بالأرض من أجواء جعلت طرقا ً للهواء الذي يحمل بخار الماء , ويتحكم به مدّا ً وجزرا ً :
(( ثم أنشأ سبحانه فتق الأجواء , وشق الأرجاء , وسكائك الهواء(2) فأجرى فيها ماءً متلاطما ً تياره , متراكما ً زخاره على متن الريح العاصفة , والزعزع القاصفة(3) فأمرها برده , وسلَّطها على شدِّه )) .
وهذا الكلام صريح بأنَّ الهواء يحيط بالأرض , وأنَّ بينها وبين غيرها منطقة لا شيء فيها سوى الرياح والأمطار والسحب والعواصف.
وهذا عين ما جاء في الجزء الأول من كتاب (( العلم في حياتنا اليومية ))ص38 (4).
(( يحيط بالكرة الأرضية غلاف من الهواء يسمى بالغلاف الهوائي الجوي . . وينقسم المحيط الهوائي إلى طبقات كبيرة بعضها فوق بعض , وفي الطبقة الأولى تحدث كل التغيرات الجوية , وتنشأ فيها الرياح والأمطار والسحب والعواصف )) .
وإذا لم يصرح الإمام بأن الهواء طبقات بعضها فوق بعض فإن قوله سكائك الهواء , أي طرقها يشعر بها , ويمكن حمله عليها.
-------------
(1) نقل صدر المتألهين الشيرازي في تفسير قوله تعالى : (( وجعل لكم الأرض فراشا ً )) , نقل أنَّ بعض الفلاسفة قال : (( إن الفلك يجذب الأرض من جميع الجوانب على نسبة واحدة )) والشيرازي المتوفى سنة 1050هـ متقدم على نيوتن الذي تنسب إليه نظرية الجاذبية بأكثر من مئتي سنة.
(2) السكائك : جمع سكة , وهي الطريق.
(3) الزعزع : شديد الصوت.
(4) اعتمدنا هذا الكتاب بالنظر لأهميته من الوجهة العلمية , فلقد اشترك في تأليفه 3 من علماء الغرب , وهم : اوربون , وهيس , ومنتجمري , وترجمه اثنان : الدكتور أحمد حماد الحسيني , والدكتور صلاح الدين عبد السلام , وراجعه الدكتور عبد الحليم منتصر , ونشرته مكتبة النهضة المصرية بالإشتراك مع مؤسسة فرانكلين.
حركة الأرض
ألف الفيلسوف اليوناني بطليموس كتابا ً في سكون الأرض ودورة الشمس عليها , فشاع مذهبه , وذاع , واعتنقه فلاسفة الإسلام , ونقلوه في كتبهم , كالفارابي وابن سينا وغيرهما من العلماء والمفسرين والمحدثين , وساد هذا المذهب , حتى ظهر (( كوبر نيكوس )) في القرن السادس عشر , وأثبت أنَّ الأرض هي التي تدور حول الشمس , فحكم عليه في مجمع كنيسة رومية بالزيغ والإلحاد(1) , أما الإمام وأحفاد الإمام فقد أعلنوا هذه الحقيقة قبل أن يخلق (( كوبر نيكوس )) بمئات السنين , قال الإمام في إحدى خطب النهج يصف الأرض: (( فسكنت على حركاتها من أن تميد بأهلها , أو تزول عن مواضعها )) .
وفي خطبة ثانية : (( وعدَّل حركاتها بالراسيات من جلاميدها )) . وقال حفيده الإمام الصادق كما جاء في احتجاج الطبرسي.
(( إن الأشياء تدل على حدوثها , من دوران الفلك بما فيه , وهي سبعة أفلاك وتحرك الأرض ومن عليها , وانقلاب الأزمنة واختلاف الوقت )) .
للأرض حركات شتَّى , أنهاها بعض الفلكيين إلى 14 حركة , منها ما تستغرق 26 ألف سنة , ومنها قرابة ثلاثة آلاف سنة , ومنها تتم بـ 24 ساعة , وهي الحركة اليومية , ومنها تتم بـ 365 , وهي الحركة السنوية واختلاف الفصول , وهي الربيع والخريف والشتاء , نتيجة الحركة السنوية , واختلاف ساعات اليوم , وهي الصبح , والضحى , والظهر , والعصر , والمغرب , والعشاء والسحر , نتيجة الحركة اليومية. وإشارة الإمام إلى حركة الأرض تشمل الجميع.
-----------
(1) قال نصير الدين الطوسي المتوفى سنة 672 هـ, وبهاء الدين العاملي المتوفى سنة 1301هـ, قالا : ( لاشيء يمنع من أن تكون الأرض متحركة ) . الهيئة والإسلام للشهرستاني. وأعجب من هذا ما نقله أحمد أمين المصري في كتاب يوم الإسلام ص 89 طبعة 1958 ( أنَّ الطوسي أسبق من آينشتاين في فهم الزمنية ) , أي النظرية النسبية التي بني عليها تفتيت الذرة.
الشمس
جاء في إحدى خطب النهج :
(( وجعل شمسها آية مبصرة لنهارها , وقمرها آية ممحوة من ليلها , وأجراهما في مناقل مجراهما , وقدَّر مسيرهما في مدارج درجهما , ليميز بين الليل والنَّهار بهما , وليعلم عدد السّنين والحساب بمقاديرهما )) .
قال الفلكيون الجدد : إنَّ لكلِّ من جرم الشمس والقمر حركة خاصة به , كما أنَّ للأرض حركات تخصها , وجاء في كتاب (( الله والعلم الحديث )) للأستاذ نوفل ص 170 أن (( سيمون )) العالم الفلكي الحجة قال: (( إن أعظم الحقائق التي اكتشفها العقل البشري في كافة العصور هي حقيقة أنَّ الشمس والكواكب السيارة وأقمارهما تجري في الفضاء نحو برج النسر )) .
وحين أراد الإمام المسير لبعض حروبه قال منجم : إن سرت في هذا الوقت لن تظفر بمرادك.
فقال الإمام : إنَّ النجوم لا تنفع ولا تضر , وإنها يهتدي بها المسافرون في بر أو بحر.
خلق آخر:
سئل الإمام الصَّادق الذي ينتهي علمه إلى جده أمير المؤمنين , سئل:
-هل في السَّماء خلق ؟
قال , أجل , وفي الفضاء الذي بين سماء وسماء خلق(1).
وقال الصَّادق في حديث آخر:
(( إن لله عزَّ وجل اثني عشر ألف عالم كل منهم أكبر من سبع سماوات وسبع أرضين , ما يرى عالم منهم أنَّ لله عز وجل عالما ً غيرهم )) .
والعارفون -اليوم- يعتقدون بأنَّ في الكون عوالم لا يبلغها العدد والإحصاء , وغير بعيد أن يكون قول الإمام 12 ألفاً كناية عن الكثرة , لا الحصر.
ونقل الشهرستاني في كتاب (( الهيئة والإسلام )) ص 278 طبعة ثانية عن المجلد الـ 11 من مجلة الهلال المصرية ص 78 أنَّ هوف الأمريكي ألقى خطابا ًَ أعرب فيه عن اعتقاده (( بأن المريخ والزهرة (2) وعطارد آهلة بالناس , وسائر الأحياء , وأنَّ سكانها أرقى من سكان الأرض بدنا ً وعقلا ً )) .
ونقل الأستاذ نوفل في كتاب (( القرآن والعلم الحديث )) ص 177 طبعة أُولى , أنَّ عالمين روسيين , وهما اوبارين , وفسنكوف ألفا كتابا ً عنوانه (( الكون )) قالا فيه : (( إنَّ هناك كثيرا ً من الكواكب مسكونة في هذا الكون )) .
وإذا استندت هذه ِ الأقوال إلى مجرد الاستنتاج فإنَّ العلم في المستقبل القريب أو البعيد سيبعد الطريق للسًّفر عبر الفضاء من كوكب إلى كوكب في أطباق طائرة , ويجتمع أبناء أبينا آدم بأبناء عمومتهم في المريخ أو عطارد.
---------
(1) البحار مجلد 14 ص 113 طبعة 1305هـ.
(2) إن المعلومات التي تلقاها العلماء من صواريخ الفضاء دلت على أنَّ درجة الحرارة على الزهرة تبلغ 425 مئوية , فالحياة عليها _إذن_ محال.
وزن النور والظلمة والهواء
نقل السيد هبة الدين الشهرستاني في كتاب
(( الهيئة والإسلام )) عن الشيخ الحر العاملي في الصحيفة الثانية السجادية , والسيد نعمة الله الجزائري في شرحه على تعليقات الصحيفة السجادية دعاء عن الإمام زين العابدين جاء فيه:
(( سبحانك تعلم وزن السماوات , سبحانك تعلم وزن الأرضين , سبحانك تعلم وزن الشمس والقمر , سبحانك تعلم وزن النور والظلمة , سبحانك تعلم وزن الريح كم هي من مثقال )) .
وجاء في كتاب (( العلم في حياتنا اليومية ))ج1 ص41 و 42 : (( انفخ كرة قدم , أو كرة سلة بالهواء بواسطة منفاخ , ثم ضعها على كفة ميزان , وزنها , ثم أفرغها من الهواء , وتأكد من إخراج كل الهواء منها , ثم زنها ثانية .. فتعرف من هذه التجربة أنَّ للهواء وزنا ً مهما )) .
وفي كتاب (( غدنا والذرة )) تأليف (( كوننــت )) ترجمة عفيف البعلبكي فصل (( المشهد العلمي المتبدل )) :
(( إنَّ القول بأنَّ الضوء إنَّما يبعث , ويتسلم كما لو كان سيلا من الذرات , وأنَّه إنَّما ينتقل كما لو كان مجموعة من الموجات , إنَّ هذا القول كان في نظر العلماء منذ أربعين سنة بمثابة القول إنَّ صندوقا ً ما ممتلئ , وفارغ في الوقت نفسه , لقد كان من المستحيل على الضوء في اعتقادهم أن يكون جسميّاً وتمويجيا ً في وقت معا ً )) .
أجل , إن وزن الضوء كان محالا ً في نظر العلماء في أوائل القرن العشرين , ولكنه بديهي عند آل الرسول منذ مئات السنين. أما وزن الفيء والظلمة فلم اطلع عليه في كتاب حديث , ولا أدري : هل توصل إليه العلم أولا ً , ولا بد أن يبلغه في يوم من الأيام..
الرياح والأمطار
وسأله سائل : ما الذاريات ذروا ؟
قال : الرياح.
قال السائل : ما الحاملات وقرا ؟
قال : السحاب.
قال السائل : فالجاريات يسرا ؟
قال : السفن.
قال السائل : فالمقسمات أمرا ؟
قال : الملائكة.
وقال : إنما يكون السحاب ثقيل السير لامتلائه بالماء.
وسمع قائلا ً يقول : قوس قزح.
فقال الإمام : لا تقولوا قوس قزح , وقولوا : قوس الله , وأمان من الغرق.
أما وصف الإمام الأرض والسماء , ونظام الكون , وأسراره وعجائب مخلوقاته , كالطاووس والخفاش والنملة والنحلة والغراب والجرادة وما إلى ذاك فإن فيه من الصدق والعمق , ودقة التصوير وبلاغة التعبير ما يرفعه فوق الفلاسفة والعلماء والأدباء مجتمعين.
الإنسان
قال مشيراً إلى الأدوار التي يمر بها الإنسان : (( أم هذا الذي أنشأه في ظلمات الأرحام , وشغف الأستار نطفة دهاقا , وعلقة محاقا , وجنيناً وراضعا , و وليداً يافعا , ثم منحه قلباً حافظا ولساناً لافظا , وبصراً لاحظا , ليفهم معتبرا , ويقصر مزدجرا )) .
وقال : (( علق بنياط(1) هذا الإنسان بضعةٌ هي أعجبُ منه , وذلك القلب , وله مواد من الحكمة وأضداد من خلافها , فإن سنح له الرجاء أذله الطمع , وإن هاج به الطمع أهلكه الحرص , وإن ملكه اليأس قتله الأسف , وإن عرض له الغضب اشتد به الغيظ , وإن أسعده الرضا نسي التحفظ , وإن ناله الخوف شغله الحذر , وإن اتسع له الأمن استلبته الغيرة , وإن أفاد مالاً أطغاه الغنى , وإن أصابته مصيبة فضحه الجزع , وإن عضته الفاقة شغله البلاء , وإن جهده الجوع قعد به الضعف , وإن أفرط به الشبع كظته البطنة , فكل تقصير به مضر , وكل إفراط له مفسد )) (2).
والقلب أول عضو يتحرك في بدن الإنسان , وآخر ما يسكن فيه , وبسكونه تنتهي حياة صاحبه , وله خواص وصفات متضاربة متناقضة , وشيطانية وإنسانية , وبهذه الخواص يختلف عما عداه من المخلوقات , حيث لا نعرف شيئاً واحداً تختلف آثاره وتتباين بالكنه والحقيقة , كما هي الحال بالقياس إلى القلب الذي يجمع بين بواعث الخير والشر , والفضيلة والرذيلة , ومن هنا كان الموقف بين هذه الدواعي والبواعث من أحرج المواقف وأخطرها , لا يثبت فيه إلا الحكيم العاقل الذي يستطيع الصمود , والوقوف موقفاً وسطا لا تقصير فيه ولا إفراط.
وقال الإمام مشيراً إلى ضعف الإنسان : (( ما لابن آدم والفخر ؟ أوله نطفة , وآخره جيفة , لا يرزق نفسه , ولا يدفع حتفه )) .
وقال أيضاً: (( مسكين ابن آدم , ومكتوم الأجل , مكنون العلل , محفوظ العمل , تؤلمه البقة , وتقتله الشرقة , وتنتنه العرقة )) .
وقال مشيراً إلى عظمة الإنسان ومقدرته : (( الإنسان يشارك السبع الشداد ))أي أن موهبته لا تقف عند حد الوضع الذي هو فيه .. بل تتعداه إلى ما هو أسمى وأرفع , بل وإلى مشاركة القمر والزهرة والمريخ , وسائر الكواكب , يسخرها لحاجاته وأغراضه..
أشار الإمام إلى ضعف الإنسان , كي لا يركن إلى قوته ويغتر بها فيطغى , وأشار إلى قوته , كي لا يستسلم للضعف إن أصابه , فينصرف عن الجهاد والعمل.. والعاقل من يناضل وهو على حذر من المخبئات والمفاجئات.
---------
(1) النياط : عرق متصل بالقلب.
(2) وقد عبر عن هذا المعنى الأديب الفرنسي المعاصر ( هنري لو فيفر ) عبر عنه بأسلوب آخر , حيث قال : إن الإنسان مجموعة من المتناقضات تماما ً كالمجتمع الذي يعيش فيه , ويجب أن يحلل التركيب الفردي المتناقض , كما يجلل المجتمع المتناقض الذي يعيش فيه الفرد. وقال بسكال : إن الإنسان مخلوق شاذ غريب الخلقة لا سبيل إلى فهمه.